لبى غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ظهر الاربعاء ٢ أيار ٢٠١٢، دعوة صاحب السيادة راعي الأبرشية الذي اقام حفل غداء على شرف غبطته في دار المطرانية في مكسيكو، وقد جرى تقليد غبطته ميدالية جوقة الشرف.
قبيل الغداء التقى غبطته رئيس أساقفة مكسيكو الكردينال نوربرتو ريفيرا، وكانت خلوة بينهما عبّر فيها نيافته عن تقديره للموارنة وللجالية اللبنانية، وجرى عرض لاوضاع ابرشية مكسيكو التي تضم اكثر من ١٢ مليون مؤمن، ولتحديات الكنيسة في المكسيك. وابدى نيافته اهتماماً خاصاً بالاوضاع في لبنان مستفسراً عنها وعن التطورات في منطقة الشرق الاوسط.
الحفل التكريمي حضرته شخصيات مكسيكية ولبنانية، أبرزها كاردينال مكسيكو، مطران مدينة ايكاتيبيك اونسيمو سيبيدا، وعدد من حكام الولايات والنواب والقضاة، وفي مقدمتهم المدعية العامة التمييزية ماريسيللا ئراميريس، ورئيس المحكمة الدستورية العليا أدغار الياس عازار، وعدد من الأساقفة والقائم بأعمال السفارة اللبنانية في المكسيك الآنسة الين يونس ومدير عام الضمان الصحي دانييل كرم اضافة الى عدد من الدبلوماسيين ورجال الاعمال.
ألقى صاحب السيادة راعي الأبرشية كلمة ترحيبية ضمّنها مواقف من بعض القضايا الاساسية والتطورات في منطقة الشرق الاوسط. مؤكداً على اهمية زيارة البطريرك الراعي الى المكسيك وعلى صوابية مواقفه حيال كل ما يجري في المنطقة. وقال: ” في هذا اليوم التاريخي يمتلىء منزلنا بالفرح والحبور لاستقبالنا رئيس كهنة عظيم بشخصه وقوله وفكره وحكمته، وبمعزل عن كونه قائداً روحياً، هو ايضاً قائد وطني، أراد الله ان يُنتخب في اوقات عصيبة تجتاح الشرق الاوسط حيث الثورات في كل مكان من العالم وبشكل خاص في هذه البقعة الشرق أوسطية مهد الحضارات. وأبدى سيادته خشيته مما يجري في الشرق الاوسط ومن ان يكون الربيع العربي خريفاً عربياً، مؤكداً ان هناك حركات مموّلة ومدفوعة من الخارج. وأضاف: “في هذه الظروف والعالم يتخبّط في أنانيّته، أتى صاحب الغبطة ليواجه بالحقيقة الدامغة والمحبة الخالصة كل ما هو محاك للشرق الاوسط عموماً وللبنانيين خصوصاً. وختم سيادته: ” صاحب الغبطة انت اليوم في بيتك، انت الراعي ونحن نسير على خطاك، فباسم اخيك وأبينا صاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع، ارحب بك في دارهم معلناً وحدتنا في قول الحق باستباحة. نحن معك الآن وسنكون دوماً الى جانبك في جهادك”.
من جهته ردّ البطريرك الراعي بكلمة شكر فيها صاحب السيادة على دعوته النابعة من عاطفة صادقة ومحبة صافية، وقال: ” أحيي تحية كبيرة سيادة المطران شدراوي الذي جمعنا بأطيب الشخصيات والوجوه الكنسية والمدنية في المكسيك، والذين اشكرهم على تنوعهم لانهم شرّفوني بحضورهم. واني اشكر على الميدالية الرفيعة، أكاديمية التاريخ والجغرافيا. والشكر الكبير للمطران شدراوي الذي يمكنك ان تنتقده ربما ولكنه لا يمكنك ان تشكّ يوماً بمحبته الصادرة من قلبه، ولانه محبّ فهو يعبّر بصدق واحياناً بقساوة، وإلا لما كان المطران شدراوي. شكراً لك سيدنا لأنك جمعتنا اليوم في المطرانية التي هي بيت كل المكسيكان واللبنانيين، ونحن اليوم نتشرّف بالانضمام الى هذا البيت الكريم. ومن هنا نرسل التحية الكبرى لصاحب الغبطة البطريرك هزيم. لقد تحدث المطران شدراوي من قلبه، وأشكره بنوع خاص على الكلمات التي خصّني بها وعلى الثقة الكبيرة والمحبة التي يكنّها لي، وهذا ما يعطيني دفعاً الى الامام. لقد تكلم عن موضوعين في كلمته، اود ان اتناولهما ايضاً : اولاً مخاوفه حول الربيع العربي، وثانياً الربيع المسيحيين. نحن نأمل ونتمنى أن تصل الأحداث الجارية في العالم العربي فعلاً الى ربيع عربي في كل دول، يستطيع معه ابناء كل دولة تحقيق أمنياتهم ورغباتهم في بلدهم كما يريدون هم. وأضاف غبطته : نحن في لبنان ننتمي الى العالم العربي ونتطلّع مع أهلنا مسيحيين ومسلمين في العالم العربي الى عيش كريم معاً افضل. ونتطلّع الى أكثر ديمقراطية، وحريات عامة، والى قبول اكثر للتنوّع في الوحدة. هذا هو الربيع العربي الذي نتطلّع اليه. فالمطران شدراوي عبّر عن خوفه من أن يكون الربيع خريفاً وهو يعلم ما يجري على الارض ولذلك عبّر عن هذا الخوف. لكنه تكلم ايضاً عن الربيع المسيحي الذي اتكلّم عنه دائماً. ونحن نسمع في الغرب انه يجب حماية الأقليات المسيحية. المسيحيون ليسوا أقليات لأنهم موجودون منذ ألفي سنة في بلدانهم. نحن نقول انهم بحكم المواطنة عندهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات. وما أسميه الربيع المسيحي هو أن يدرك المسيحيون في العالم العربي قيمة الألفي سنة التي يحملونها، بمسؤولية، لأنهم طبعوا بثقافتهم المسيحية هذه الأوطان، ثقافياً، اقتصادياً، سياسياً وفكرياً. لذلك فنحن نقول اذا كان هناك من اهتمام دولي بالعالم العربي هو التركيز على المواطنة وليس على حماية أقليات مسيحية. والربيع المسيحي تابع غبطته، يعني ان للمسيحيين دوراً لا يتوقف ابداً، وهو ان يحملوا إنجيل يسوع المسيح الذي هو إنجيل الإنسان، إنجيل السلام، إنجيل التآخي. فالإنجيل انطلق من الشرق الاوسط ووصل الى كل العالم ولذلك فعلى المسيحيين في العالم العربي مسؤولية مواصلة إعلان إنجيل يسوع المسيح، الخبر المفرح، أن للإنسان قيمة، ولذلك صار الله انساناً كي يعود فيعلّم الانسان كيف يكون انساناً. وللإنسان قيمة لانه مفتدى بدم يسوع المسيح، لذلك علينا كمسيحيين ان نحمل للعالم العربي هذا الإنجيل، قيمة الشخص البشري وما يتفرع عنها من ديمقراطية وحريات وكرامة الانسان وحقوقه، هذه هي ثمار الإنجيل. وختم غبطته: لن يفرغ الشرق الاوسط من المسيحيين، ولكن اذا خفّ دورهم في العالم العربي تنقص طبعاً قيمة كل انسان في العالم العربي مهما كان دينه. وكلام السيد المسيح “أنتم الخميرة في العجين” لم يكن مجرّد كلام، فله معانيه العميقة، وهذا لا يعني أبداً أنني كمسيحي أنا أفضل من غيري، إنما يعني أنني مؤتمن كمسيحي لإعلان سرّ المسيح، سرّ الانسان. هذا هو الربيع المسيحي الذي نتطلع اليه في قلب الربيع العربي. واذا عاش المسيحيون ربيعهم المسيحي فعلاً، يكون هذا الربيع العربي، ربيعاً عربياً حقيقياً.